«هوجان».. نهاية أسطورة

لم يصعد إلى حلبة المصارعة رجل مثله ولم يعشق الجمهور مصارعا مثله، ورفعوه فوق الاعناق وهم يصيحون صيحته الشهيرة بعد أن يمزق ملابسه عقب انتصاره فى المباريات إنه «هالك هوجان» الأسطورة التى كانت.. والنجم الذى راح عنه البريق ويرقد الآن فى منزله محاولا استعادة مجده القديم بتحريك قدميه وسط آلام الجسد وعذابات القلب من خيانة زوجته وهروبها مع شاب يصغرها بثلاثين عاما ومشاكل أولاده.
مثلما كان هوجان البطل فى الحلبة كان أيضا بطل القصة وهو يرويها لمحرر مجلة رولنج ستونز.. وأول مشهد فيها يظهر «هوجان» وهو يصارع فى فراشه للنهوض منه.. فساقاه وقدماه فى حالة خدر وألم دائم.. بالإضافة لآلام فقرات العنق والتهابات المفاصل.. وهوجان يتعايش برضا مع حالته الصحية ويرى أنها النتيجة الطبيعية لمصارع يسقط على عموده الفقرى مرتين على الأقل فى كل مباراة.. وتلقى ضربات لا تعد ولا تحصى طوال ثلاثين عاما من عمره البالغ خمسة وخمسين عاما.
عندما ينظر فى المرآة يجد أمامه رجلا أصلع الرأس.. تغيرت فى حياته أشياء كثيرة معظمها للأسوأ فمنذ اختفاء برنامجه التليفزيونى «هوجان يعرف الأفضل».. والذى عرض على مدار عامين كاملين فى الفترة من 2005 حتى 2007.. وكان وقتها الرمز الخالد للمصارع المحترف..
سقطت نجوميته عندما ظهر فى دور صغير فى الجزء الثالث من فيلم «روكى» مع النجم سيلفير ستالونى.. وزادت عندما وصفه بطل العالم للملاكمة فى الوزن الثقيل محمد على كلاى بأنه أعظم المصارعين فى كل العصور.
166 يوماً حبساً
السنة الماضية قضى ابنه «نيك» البالغ من العمر ثمانية عشر عاما 166 يوما فى السجن على ذمة قضية القيادة المتهورة لسيارته وكان برفقته احد أصدقائه، حيث نجا الاثنان من الموت بأعجوبة وتهشمت السيارة تماما.. لكن صديقه جون جرازيانو 24 عاما أصيب بأضرار بالغة فى المخ.. وطالبت عائلة جراز يانو بتعويض من عائلة هوجان عن الأضرار البالغة التى لحقت بابنهم ودفعت عائلة هوجان التعويض ومقداره مليونا دولار.. وبعد فترة وجيزة فوجئ هوجان بزوجته ليندا تطلب الطلاق بعد أربع وعشرين سنة من العشرة.. وتمت تسوية قضية الطلاق بحصول ليندا على 4.75 مليون دولار ونفقة شهرية مقدارها 144 ألف دولار.. وبغياب ليندا من حياته كان هوجان مجبرا على حياة الوحدة.. فكر كثيرا فى الانتحار وتراجع عن إطلاق الرصاص على رأسه فى اللحظة الأخيرة وكان عليه القيام بما كانت تقوم به ليندا ومنها عملية تغيير لون شعر رأسه للأبيض الثلجى.. وكانت تستعمل محلول الأوكسجين.. وعندما استخدمه تركه فترة أطول على رأسه مما أدى لحروق شديدة فى فروة الرأس وتساقط شعره.. وحتى لا تتغير صورته لدى معجبيه قام بعملية زراعة للشعر ليحتفظ بهيبته المعهودة وشعره الأبيض الطويل يتدلى على كتفيه.
نصف إنسان
هوجان يشعر الآن بأنه نصف إنسان يتحرك على شاحنة تعمل بمحرك يصدر ذبذبات لتنشيط عضلاته والدورة الدموية فى جسده.. يستطيع السير على قدمين ولكن ببطء.. جلس يتذكر زوجته السابقة ليندا التى لم تكتف بهجره والطلاق منه بل إنها بعد أيام قليلة من انفصالها عنه بدأت فى الظهور فى الأماكن العامة برفقة شاب عمره تسعة عشر عاما أى أنه أصغر منها بثلاثين سنة.. واستقرت معه فى منزل عائلة هوجان الذى يقدر ثمنه بثمانية عشر مليون دولار.. ويقول هوجان إنها لم تكتف بذلك بل سلمت سلسلة مفاتيح السيارات والدراجات والموتوسيكلات والقارب الخاص به إلى ذلك الفتى.. وما يهمها فى الحياة هو إحراق أموال هوجان حيث تنفق شهريا أربعين ألف دولار..
ويضيف «هوجان».. كان ممكن أن اقتلها واستريح منها مثلما فعل «أو.جى سمبسون» الذى قتل زوجته لشكوكه فى خيانتها.. لكن قراءة كتاب يتناول أسوب التفكير الإيجابى فى الحياة كان سببا فى تراجعه عن فكرة قتلها.. وبسرعة تعرف هوجان على صديقة جديدة يقول إن جمالها أكثر من أفروديت إلهة الجمال.. جنيفر ماكدينال عمرها 34 سنة.. ومنذ تعرف عليها تغيرت نظرته للحياة.
وممكن يرجع مرة ثانية للمصارعة.. لكن القرار مرتبط بأطراف عديدة، فى الأساس ساقاه وساعداه وفقرات عظام عنقه.. إذا عادت كما كانت فى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى وهى فترة قمة نجاحه وانتصاراته فقد يعود مرة أخرى للحلبة..
طفولة بائسة
ولد هوجان باسم آخر وهو « تيرى بولا» شخصية مختلفة النشأة تماما عما ظهر فى برنامجه التليفزيونى.. ولد لأبوين حياتهما شاقة فى جنوب فلوريدا فى حى من أحياء الصفيح.. الأب كان عامل بناء.. يعمل يوما ويتعطل عشرة أيام.. والأم ربة منزل منكسرة.. البيت مكون من غرفتين.. والحياة كلها فى الشارع.. سنوات طويلة من المعاناة والعراك فى الشوارع وتعاطى المخدرات.. والليلة التى تتناول فيها العائلة اللحوم وجبة العشاء يكون يوم عيد القديسين.
فى صغره كان ولدا سمينا.. عندما بلغ التاسعة من عمره بلغ وزنه تسعين كيلو جراما.. وكان صدره مشوها، حلمات الثدى غائرة فى الجلد.. لذلك كان يسبح وهو مرتديا ملابسه خجلا من منظره امام أصدقائه.. فى صغره أحب لعبة «البولينج» التى بدأ ممارستها فى سن الثامنة من عمره مع صديق له من فلوريدا وفاز بعدة بطولات لخمس سنوات متتالية.. وكان لاعبا مشهورا فى فريق الأطفال لكرة القدم.
لكن إعجابه الأكبر كان برياضة المصارعة ومباريات مصارعة المحترفين.. من عمر ستة أو سبع سنوات يشاهد المباريات التى تعرض فى التليفزيون يوم الأحد.. وكان أسعد يوم فى حياته وهو طفل عندما أقنع والده باصطحابه لمشاهدة مباراة على الطبيعة.
عندما بلغ الرابعة والعشرين من عمره دخل عالم مصارعة المحترفين فى مسابقات محلية.. وقام بتغيير اسمه عدة مرات.. المدمر الأكبر.. تيرى الضخم.. إلى أن استقر أخيرا على اسم شهرته الحالى «هالك هوجان» ويتذكر هوجان تلك الفترة من حياته ويقول إنها كانت فترة شقاء.. لم يسافر مرة واحدة بالطائرة بل كانت كل السفريات بالسيارة ولمسافات طويلة تستغرق أياما وليالى.. ولكى يتمكن من الاستمرار فى حالة يقظة دائمة كان يتعاطى العقاقير المنشطة تحت إشراف الأطباء المرافقين للفريق.. المهم أن الرحلة التى يقود فيها السيارة لأكثر من ستمائة كيلو متر ويلعب مباراة مصارعة كان يتقاضى عنها خمسة وعشرين دولارا..
أسطورة المصارعين
فى سنة 1979 لفت هوجان انتباه نينس ماكماهون الأب الذى عرض عليه عقد احتراف فى فيدرالية المصارعة العالمية..وأصبح هوجان أسطورة مصارعة المحترفين فى أمريكا والعالم.. هزم المصارع «تيد ديفيز» فى مباراة استمرت إحدى عشرة دقيقة فقط... وابتدع طريقة جديدة فى الاحتفال بالفوز على خصمه بالحلبة بالركض فى أرجائها ثم تمزيق ردائه الذى اختار له اللونين الأصفر والأحمر وأصبح من العلامات المميزة له.. وازدهرت صناعات كثيرة من هذين اللونين تحمل اســــم هوجـــــان.. القفـــــازات.. الحقــائب.. الـ «تى شيرتات» يتذكر «هالك هوجان» أسعد لحظات حياته وهو يتطلع لصورة معلقة على حائط غرفة المعيشة فى منزله يظهر فيها واقفا وسط حلبة المصارعة فى صالة «سيلفر روم» وأمامه المصارع اندرو العملاق بوزنه البالغ 255 كيلو جراما.. وفى القاعة 193 من جمهور المشاهدين.. يقول: عندما حضر بابا الفاتيكان لقاء فى ذات القاعة بلغ عدد الحاضرين 80 ألفا وجمهور الفريق الغنائى الرولنج ستونز بلغ 88 ألفا.. بينما الجمهور الذى حضر مباراته فى نفس القاعة كان الأكبر.
هوجان قرر التقاعد عن ممارسة المصارعة منذ خمسة أعوام.. وفى اللحظة التى اتخذ فيها قراره لم يعرف ماذا يفعل بوقت الفراغ.. وجاء عرض من قناة التليفزيون «فى. اتش. وان» لتقديم برنامج «هوجان يعرف الأفضل» يقول إنه وافق على البرنامج ليس لأنه مصارع فقط بل ليضمن تأمين مستقبل أبنائه .. فابنه «نيك» يحترف قيادة سيارات السباق.. وابنته بروك مطربة.. وزوجته ليندا التى تعشق حياة الثراء وسيوفر لها ما حلمت به دائما..
لكن ازماته كلها بدأت بعد إذاعة البرنامج.. الزوجة التى هجرته واستولت على أمواله.. وهو الآن محروم من الاقتراب من المنزل الذى دفع فيه دم قلبه وتبلغ مساحته 1860 مترا مربعا.. ويتحسر على نفسه وهو يرى الشاب صديق زوجته السابقة يقود سيارته ويتمتع بالإقامة فى الفندق الخمس نجوم الذى مازال يدفع نفقات الإقامة فيه من أمواله.. وابنته التى هجرته أيضا لفترة من الوقت ثم عادت اليه مؤخرا نادمة على قرارها.. وتقول إن أفضل قرار توصل إليه والداها هو الطلاق.. لأنه أفضل من الحياة التى عاشتها بينهما حيث كانت الحياة معهما مثل الحياة فى مستشفى للمجانين.

No comments: